-A +A
أنمار مطاوع
الصَّبر في اللغة هو الحبس والمنع.. حبس ومنع: النفس عن الجزع والسّخط.. واللسان عن الشكوى.. والجوارح عن فعل ما يخالف الفضائل والمبادئ السامية. وشرعا: هو من أخلاق النّفس التي تمنع صاحبها عن القيام بما لا يُستحب.. وتعينه على تحمُّل مشاق مجاهدة النفس. يشير العلماء إلى أن الصّبر شطر من الإيمان؛ ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في تسعين موضعا، بعضهم يرى أن (نصف الدين صبر).. والبعض الآخر: (كل الدين صبر). الدين كله عبادات.. تشمل كافة جوانب حياة الإنسان.. وكل العبادات صبر.. (.. فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ..). فالمداومة على العبادات يحتاج للصبر.. النفس بطبعها ملولة.. تصاب بالملل من الطاعات.. فيكون الاصطبار معينا لها على المداومة.

(الصّبور) عدّه بعض العلماء من أسماء الله الحسنى؛ كالترمذي والبيهقي والقرطبي وابن القيم.. وعده آخرون صفة من صفاته العليا. (الصّبور) هو (الذي لا يُعاجل العصاة في الانتقام منهم، بل يعطيهم فرصة ليتوبوا ويصحّحوا ويستغفروا).


الصبر على الأقدار وتحمُّل اختباراتها القاسية والرضا بها.. هو أرقى أنواع الصبر.. فهو يرتقي لدرجة (التأدب مع الله) والثبات في المصائب. فالصابر هنا هو من فهم مراد الله ورضي بقدره.. (من لا يكون الله نصب عينيه، يتذمّر من أقداره). الصبر لا يعني عدم ذِكر البلاء.. لكن يعني عدم الاعتراض عليه.. وأن تكون الشكوى لله وحده.. فأيوب عليه السلام –أنموذج الصبر- قال (.. مَسَّنِيَ الضُّرُّ..).

تكاليف الخالق تهذِّب الطبيعة الإنسانية.. خلق الله العبد محبا للمال.. وأمره بالإنفاق، خلقه محبا للراحة.. وأمره بالعبادات، خلقه محبا للفضول.. ونهاه عن الغيبة والنميمة والتجسس.. مخالفة شهوات النفس هي صبر في كل أحايينها. لهذا، يُعدّ الصّبر (جامع مكارم الصفات).. فالفضائل تحتاج إلى صبر لمنع النفس من الانسياق وراء الأهواء..

الصبر من تألقه ولمعانه يُصبغ على صاحبه سمة الحليم. يُحكى عن الأحنف ابن قيس –رمز الحلم- قوله: (أنا صبور ولست بحليم). وأرقى أنواع الصبر هو الصبر على الأذى. فالله سبحانه وتعالى هو القوي القادر الجبار المنتقم.. ورغم ذلك يصبر على من يؤذيه. يقول صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل..).

الله سبحانه وتعالى صبور يأمر بالصبر.. والتواصي به.. وقد وعد الصابرين جزاء بغير حساب.. في الدنيا رفع قدرهم (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا..) وفي الآخرة رفع قدرهم (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ..). لهذا، جُمع الصبر مع الحظ العظيم.

معرفة أن الصّبر من عطايا الله (.. ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصّبر).. هي نصيب العبد من (الصَّبور).. ليكون صبورا على منغصات الحياة.. صبورا على فقدان الحيلة.. صبورا على خيبات الأمل.. والأهم، أن يكون صبورا مع أقدار الله.. يتعامل معها بالقبول والرّضا.. ففي نهاية اليوم.. لا يقضي المدبِّر أمرا إلا كان خيرا.

من هذّب نفسه على الصّبر.. عاش حياته في سلام.